بقلم د. محمد رسول الطراونة
يحتفل العالم في (31) أيار من كل عام باليوم العالمي للامتناع عن التدخين، وشعار هذا العام هو «الشباب ينهضون ويرفعون صوتهم» لحثّ الحكومات على حماية الشباب من أساليب التسويق المخادعة التي تمارسها شركات التبغ وتستهدفهم لتحقيق أرباح طائلة من خلال إنشاء موجات جديدة من متعاطي التبغ، فهدف هذا اليوم هو المساهمة في حماية الأجيال الحالية والقادمة من العواقب الصحية الوخيمة والمدمرة لتعاطي التبغ وكذلك من المصائب الاجتماعية والبيئية والاقتصادية -المالية- التي قد تحدث نتيجة التعرض للدخان.
اليوم العالمي للامتناع عن التدخين، مناسبة هامة لنشر الوعي باخطار التدخين ولتشجيع الناس على التوقف عن ممارسة هذه العادة الضارة، فالتدخين ليس مجرد عادة اجتماعية أو ترفيهية فقط، بل هو إدمان خطير يهدد صحة المدخن ويعرضه للكثير من الأمراضِ المزمنة، مثل أمراض القلب والسرطان وأمراض الرئة وغيرها الكثير من الأمراض، فأثر التدخين لا يقتصر على المدخن فقط، بل يؤثر أيضًا على البيئة وعلى صحة الآخرين.
إن وباء تعاطي التبغ يعد من بين أكبر التهديدات على الصحة العامة على الإطلاق التي يواجهها العالم، إذ تشير احصائيات منظمة الصحة العالمية أن واحداً من كل خمسة اشخاص بالغين في العالم يتعاطى التبغ، وأن التبغ يعد أهم سبب للوفيات منفرداً حيث يؤدي حالياً إلى وفاة واحد من كل عشرة بالغين في جميع أنحاء العالم ويموت كل دقيقة 15 شخصاً بسبب التبغ، ويقتل التبغ أكثر من ثمانية ملايين شخص سنويا، سبعة منها من الاستخدام المباشر للتبغ–وحوالي 1.3 مليون من غير المدخنين يموتون بسبب التعرض للتدخين السلبي.
اما اسباب التدخين فهذا حديث ذو شجون، إذ بينت إحدى الدراسات أن ربع أسباب التدخين لدى الشباب تعود إلى تقليد الآخرين، و 12% بسبب الضغوط النفسية، و5 % للاستمتاع، و4% بسبب الملل، وهناك أسباب أخرى بنسبة 3.5%، وأن الذكور أكثر إدمانا على التدخين من الإناث (90: 10) لصالح الذكور.
ومما يثير الدهشة اعتقاد البعض أن تدخين الشيشة أخف من السجائر و لكن في الواقع، دخان الشيشة يحتوي على مستويات مرتفعة من الكيماويات الضارة منها القطران، أول أكسيد الكربون والمعادن الثقيلة ومواد كيميائية مسببة للسرطان و يتعرض مدخنو الشيشة إلى استنشاق أول أكسيد الكربون أكثر من مدخني السجائر.
ومن العواقب الوخيمة لتعاطي التبغ، ان إنتاج التبغ واستهلاكه ينفثان نحو 84 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون سنويا، وتنتج صناعته حوالي 25 مليون طن من النفايات الصلبة، و يُرمى سنويا حوالي مليون طنّ من أعقاب السجائر التي تحتوي على مواد غير قابلة للتحلل.
الأطفال في العالم يتعاطون السجائر الإلكترونية بمعدلات تفوق مثيلاتها بين البالغين، وفي العديد من البلدان، يتجاوز معدل تعاطي السجائر الإلكترونية بين المراهقين معدل تعاطي البالغين، فانتشار السجائر الإلكترونية وغيرها من منتجات التبغ والنيكوتين الجديدة أصبح يمثل تهديدا خطيرا للشباب ويعرقل اجراءات مكافحة التبغ اذ تبيّن الدراسات أن استخدام السجائر الإلكترونية يزيد من تعاطي السجائر التقليدية، لا سيما بين الشباب غير المدخنين بنحو ثلاثة أضعاف، وتجدر الإشارة إلى أن نسبة النيكوتين في السيجارة الإلكترونية، تزيد أضعافاً مضاعفة مقارنة بنسبته في السيجارة العادية.
وتشير تقارير منظمة الصحة العالمية، أن معدلات تعاطي التبغ تشهد ارتفاعا في ستة دول في العالم من بينها الأردن ومصر وعُمان، في وقت يستمر في الانخفاض بمختلف أنحاء العالم، وصنف التقرير الأردن في المرتبة الأولى كأكثر دولة في تعاطي التبغ في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط بنسبة (36.3%)، يليها لبنان بنسبة (34%) ومصر بنسبة (24.7%)، أما متوسط معدل الانتشار الخام لتعاطي التبغ في الأردن بين الأشخاص الذين تبلغ أعمارهم 15 عامًا فما فوق وفقا لاخر إحصائية لعام 2022، لكلا الجنسين قد وصل الى 36.3%، (57.8% للذكور، 13.4% للإناث)، ويقدر عدد مستخدمي التبغ ومدخنيه في الأردن في ذات العام بـحوالي (2.774) مليون شخص؛ ومن المتوقع ارتفاع هذه المعدلات لتصل ذروتها في عام 2030 الى 38.3% في حين فقط 9% من الذين راجعوا عيادات الإقلاع عن التدخين قد أقلعوا عنه.
ويظهر تقرير منظمة الصحة أن 150 دولة نجحت في الحد من (خفض) تعاطي التبغ بين الأشخاص الذين تبلغ أعمارهم 15 عاما فما فوق، حيث ركزت هذه الدول على عدة تدابير لمكافحة التبغ منها الحماية، وإنفاذ حظر الإعلان والرعاية، وزيادة الضرائب على منتجات التبغ، ومساعدة الناس على الإقلاع عن التدخين.
خلاصة القول، ان الجهود المبذولة لحماية السياسة الصحية من التدخل المتزايد لشركات التبغ بالرغم من تعثرها في الكثير من بلدان العالم و(الأردن منها)، إلا أن مناصري الشباب في جميع أنحاء العالم يتخذون موقفا مناهضاً لما تُحدثه شركات ودوائر صناعة التبغ والنيكوتين من تأثير مدمر، وما تتبعه من تسويق تآمري وهم يفضحون هذه الممارسات الخادعة ويدافعون عن مستقبلهم الخالي من التبغ.
مدير الأكاديمية الدولية للصحة المجتمعية
زر الذهاب إلى الأعلى